المرحلة الثانية: وفق أي قرار؟
جوني منيّر
Monday, 22-Dec-2025 07:20

ثمة أسباب عدة أدّت إلى تراجع الأجواء الضاغطة والمتشنجة، والتي كانت تلوّح بعملية عسكرية إسرائيلية وشيكة على «حزب الله». أول هذه الأسباب ترئيس مدني للوفد التفاوضي اللبناني في «الميكانيزم»، وثانيها إبراز الجيش اللبناني للإنجازات التي حققها في منطقة جنوب الليطاني، وثالثها انعقاد اجتماع باريس الرباعي، والثناء على ما يقوم به الجيش. ألّا أنّ أهم هذه الأسباب يعود لانتظار الجميع لما سينتج من اجتماع مارالاغو بين ترامب ونتنياهو في 29 الجاري.

فرئيس الحكومة الإسرائيلية، والذي حطّم الأرقام القياسية في عدد زياراته واجتماعاته مع الرئيس الأميركي في أقل من سنة وحيث ستبلغ الخمس، سيصطحب معه وفداً عسكرياً وأمنياً رفيعاً، وحيث ستدوم زيارته خمسة أيام. أضف إلى ذلك، ما صرّح به ترامب نفسه بأنّ اللقاء سيحصل بناءً على طلب نتنياهو. وكل هذه المعطيات تؤشر إلى ملفات مهمّة سيحملها معه نتنياهو، والتي تمّ التمهيد لها بتسريبات حول وجود خطط عسكرية إسرائيلية تطاول إيران و»حزب الله» بسبب البرامج العسكرية التي تتمّ إعادة بنائها. وفي هذا الوقت، لفت إطلاق القيادة الوسطى للجيش الأميركي عملية «عين الصقر» في سوريا ضدّ تنظيم «داعش»، والتي تردّد أنّها ستستمر لأسابيع وربما لأشهر. أي أنّ مدة التحرك مفتوحة، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام.

 

وقبل ذلك بأيام، وفي خطوة نادرة، كشفت إسرائيل عن مقطع من التحقيقات الحية التي حصلت مع عماد أمهز، والذي كانت قد خطفته من البترون في تشرين الثاني 2024. وفي المقطع المنشور أكّد أمهز عمق التنسيق حول الخطط البحرية مع الحرس الثوري الإيراني، وأيضاً حول وضع الأميركيين في دائرة الأهداف، إلى جانب الإسرائيليين.

 

وفي انتظار ما سينتج من اجتماع مارالاغو، يستعد لبنان للإعلان عن إنجاز المرحلة الأولى من الخطة التي وضعها الجيش. ومن المفترض أن تعلن الحكومة ذلك في أول اجتماع لها مع انطلاق السنة الجديدة والمتوقعة في الخامس من كانون الثاني المقبل. ويترقب الجميع القرارات التي ستصدر عن الحكومة في هذا الشأن. صحيح أنّ رئيس الحكومة نواف سلام استبق، أو ربما مهّد لهذا الإجتماع، بالحديث عن أنّ المرحلة الأولى على وشك الإنتهاء، وأنّ لبنان سينتقل بعدها إلى المرحلة الثانية، لكن المعروف أنّ القرار يُتخذ على مستوى مجلس الوزراء الذي يتكون من مجموعات سياسية متنوعة ومن ضمنها «حزب الله». والمقصود من هذا التذكير، أنّ «حزب الله» كان ولا يزال يعلن رفضه الكامل لأي مساس بسلاحه شمال نهر الليطاني. ومن هنا السؤال عن القرارات التي سيصدرها الحزب. صحيحٌ أنّه لم يبادر أبداً إلى المساعدة في الإبلاغ عن مستودعات أو أنفاق له في جنوب الليطاني، إلّا أنّه اعتبر أنّ تعاونه هو في عدم اعتراضه على أعمال الدهم الحاصلة. وعلى رغم من أنّ عدد الأنفاق التي تمّ اكتشافها قارب الـ100 إضافة إلى عشرات المستودعات، إلّا أنّ من البديهي الإعتقاد بإمكانية وجود شيء ما لم يتمّ اكتشافه، كمثل ما حصل في كفرا، والتي لم تكن قد تعرّضت سابقاً للقصف، وحيث ضبطت في داخلها أسلحة وذخائر. وهو ما يعني أنّ الجيش وبغض النظر عن الإعلان عن انتهاء المرحلة الأولى، فهو سيستمر في عمليات مسح منطقة جنوب الليطاني. مع الإشارة هنا إلى أنّ عديده في هذه المنطقة بات يناهز الـ 9,500 جندي.

 

إذاً، فإنّ الأنظار شاخصة حول ما سيصدر عن مجلس الوزراء في أول جلسة له في السنة الجديدة. والمقصود هنا، كيف سيكون القرار القاضي بالانتقال إلى المرحلة الثانية. ولذلك لم يعمد إجتماع باريس الرباعي إلى تحديد موعد الدعوة لعقد مؤتمر دعم الجيش، واكتفى بالإشارة إلى شهر شباط. فـ«حزب الله» المتمسك بالفصل بين جنوب الليطاني وشماله، أوحى بأنّه سيعارض بقوة أي تحرك في اتجاه سلاحه شمال الليطاني. واستطراداً، أي قرار سيعلنه مجلس الوزراء، خصوصاً أنّ العواصم الغربية ترفض الربط بينه وبين أي خطوة يجب أن تقوم بها إسرائيل، كمثل أن يستبق ذلك انسحاب إسرائيلي من إحدى النقاط الخمس. وبالتالي، كيف سيتعاطى مجلس الوزراء مع بدء المرحلة الثانية، وما إذا كان سيتمّ إرفاق ذلك بجدول زمني تنفيذي أو سيعمد إلى تركها مفتوحة. ووفق أي آلية سيتمّ إطلاق هذا المسار. وهي أسئلة يعتبرها أطراف اللقاء الباريسي أساسية، وتختبر ما إذا كانت النيات جدّية أو «تسويفية».

 

وهنالك مسألة إضافية تتمسك بها إسرائيل، ما جعلها ترسل إشارة واضحة في اتجاهها، وذلك عندما ضمّت إلى وفدها المفاوض في «الميكانيزم» نائب رئيس مجلس الأمن القومي. وهي هدفت من هذه الإشارة إلى دفع لبنان لتوسيع الجانب المدني في اللجنة، وإعادة إحياء فكرة إنشاء لجان فرعية متخصصة للملفات الأمنية والعسكرية والحدودية والسياسية والإقتصادية. ومن الواضح أنّ مطالب إسرائيل تبدو كبيرة جداً، وأكبر بكثير من قدرات لبنان الواقعية والفعلية. وهو ما يدفع كثيراً من المراقبين إلى الإعتقاد بأنّ إسرائيل تعمد لتكبير الحجر، بغية فتح الطريق أمام عملية عسكرية يتمنى نتنياهو ومعه اليمين الإسرائيلي القيام بها، بغية استثمارها داخلياً على المستوى الإنتخابي.

 

من هنا يبدو الإجتماع الخامس لهذا العام بين الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة الإسرائيلية في منتهى الأهمية، وبمثابة البوصلة التي ستحدّد مسار الأحداث مع انطلاق السنة المقبلة، خصوصاً أنّ نتنياهو يراهن على تجاوب ترامب معه، بعد مرونة إسرائيلية في غزة وسوريا.

الأكثر قراءة